الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأصول من علم الأصول **
الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا. أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في أصول الفقه كتبناها على وفق المنهج المقرر للسنة الثالثة الثانوية في المعاهد العلمية، وسميناها: الأصول من علم الأصول أسأل اللهَ أن يجعل عملنا خالصًا لله نافعًا لعباد الله، إنه قريب مجيب.
أصول الفقه يعرّف باعتبارين: الأول: باعتبار مفردَيهِ؛ أي: باعتبار كلمة أصول، وكلمة فقه. فالأصول: جمع أصل، وهو ما يبنى عليه غيره، ومن ذلك أصل الجدار وهو أساسه، وأصل الشجرة الذي يتفرع منه أغصانها قال الله تعالى: والفقه لغة: الفهم، ومنه قوله تعالى: واصطلاحًا: معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية. فالمراد بقولنا: (معرفة)؛ العلم والظن؛ لأن إدراك الأحكام الفقهية قد يكون يقينيًّا، وقد يكون ظنيًّا، كما في كثير من مسائل الفقه. والمراد بقولنا: (الأحكام الشرعية)؛ الأحكام المتلقاة من الشرع؛ كالوجوب والتحريم، فخرج به الأحكام العقلية؛ كمعرفة أن الكل أكبر من الجزء والأحكام العادية؛ كمعرفة نزول الطل في الليلة الشاتية إذا كان الجو صحوًا. والمراد بقولنا: (العملية)؛ ما لا يتعلق بالاعتقاد؛ كالصلاة والزكاة، فخرج به ما يتعلق بالاعتقاد؛ كتوحيد الله ومعرفة أسمائه وصفاته، فلا يسمّى ذلك فقهًا في الاصطلاح. والمراد بقولنا: (بأدلتها التفصيلية)؛ أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية؛ فخرج به أصول الفقه؛ لأن البحث فيه إنما يكون في أدلة الفقه الإجمالية. الثاني: باعتبار كونه؛ لقبًا لهذا الفن المعين، فيعرف بأنه: علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد. فالمراد بقولنا: (الإجمالية)؛ القواعد العامة مثل قولهم: الأمر للوجوب والنهي للتحريم والصحة تقتضي النفوذ، فخرج به الأدلة التفصيلية فلا تذكر في أصول الفقه إلا على سبيل التمثيل للقاعدة. والمراد بقولنا: (وكيفية الاستفادة منها)؛ معرفة كيف يستفيد الأحكام من أدلتها بدراسة أحكام الألفاظ ودلالاتها من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وناسخ ومنسوخ وغير ذلك، فإنَّه بإدراكه يستفيد من أدلة الفقه أحكامها. والمراد بقولنا: (وحال المستفيد)؛ معرفة حال المستفيد وهو المجتهد، سمي مستفيدًا؛ لأنه يستفيد بنفسه الأحكام من أدلتها لبلوغه مرتبة الاجتهاد، فمعرفة المجتهد وشروط الاجتهاد وحكمه ونحو ذلك يبحث في أصول الفقه.
إن أصول الفقه علم جليل القدر، بالغ الأهمية، غزير الفائدة، فائدته: التَّمَكُّن من حصول قدرة يستطيع بها استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها على أسس سليمة. وأول من جمعه كفنٍ مستقل الإمام الشافعي محمد بن إدريس رحمه الله، ثم تابعه العلماء في ذلك، فألفوا فيه التآليف المتنوعة، ما بين منثور، ومنظوم، ومختصر، ومبسوط حتى صار فنًّا مستقلًّا، له كيانه، ومميزاته. *** الأحكام: جمع حُكم وهو لغةً: القضاء. واصطلاحًا: ما اقْتضاه خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين من طلب، أو تخيير، أو وضع. فالمراد بقولنا: (خطاب الشرع)؛ الكتاب والسنة. والمراد بقولنا: (المتعلق بأفعال المكلفين)؛ ما تعلق بأعمالهم سواء كانت قولًا أم فعلًا، إيجادًا أم تركًا. فخرج به ما تعلق بالاعتقاد فلا يسمى حكمًا بهذا الاصطلاح. والمراد بقولنا: (المكلفين)؛ ما من شأنهم التكليف فيشمل الصغير والمجنون. والمراد بقولنا: (من طلب)؛ الأمر والنهي سواء على سبيل الإلزام، أو الأفضلية. والمراد بقولنا: (أو تخيير)؛ المباح. والمراد بقولنا: (أو وضع)؛ الصحيح والفاسد ونحوهما مما وضعه الشارع من علامات وأوصاف للنفوذ والإلغاء.
تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين: تكليفية ووضعية. فالتكليفية خمسة: الواجب والمندوب والمحرَّم والمكروه والمباح. 1 - فالواجب لغة: الساقط واللازم. واصطلاحًا: ما أمر به الشارع على وجه الإلزام؛ كالصلوات الخمس. فخرج بقولنا: (ما أمر به الشارع)؛ المحرم والمكروه والمباح. وخرج بقولنا: (على وجه الإلزام)؛ المندوب. والواجب يثاب فاعله امتثالًا، ويستحق العقاب تاركُه. ويُسمَّى: فرضًا وفريضة وحتمًا ولازمًا. 2 - والمندوب لغة: المدعوُّ واصطلاحًا: ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام؛ كالرواتب. فخرج بقولنا: (ما أمر به الشارع)؛ المحرم والمكروه والمباح. وخرج بقولنا: (لا على وجه الإلزام)؛ الواجب. والمندوب يثاب فاعله امتثالًا، ولا يعاقب تاركه. ويُسمَّى سنة ومسنونًا ومستحبًا ونفلًا. 3 - والمحرم لغة: الممنوع واصطلاحًا: ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام بالترك؛ كعقوق الوالدين. فخرج بقولنا: (ما نهى عنه الشارع)؛ الواجب والمندوب والمباح. وخرج بقولنا: (على وجه الإلزام بالترك)؛ المكروه. والمحرم يثاب تاركه امتثالًا، ويستحق العقاب فاعله. ويسمى: محظورًا أو ممنوعًا. 4 - والمكروه لغة: المبغض واصطلاحًا: ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام بالترك؛ كالأخذ بالشمال والإعطاء بها. فخرج بقولنا: (ما نهى عنه الشارع)؛ الواجب والمندوب والمباح. وخرج بقولنا: (لا على وجه الإلزام بالترك)؛ المحرم. والمكروه: يثاب تاركه امتثالًا، ولا يعاقب فاعله. 5 - والمباح لغة: المعلن والمأذون فيه واصطلاحًا: ما لا يتعلق به أمر، ولا نهي لذاته؛ كالأكل في رمضان ليلًا. فخرج بقولنا: (ما لا يتعلق به أمر)؛ الواجب والمندوب. وخرج بقولنا: (ولا نهي)؛ المحرم والمكروه. وخرج بقولنا: (لذاته)؛ ما لو تعلق به أمر لكونه وسيلة لمأمور به، أو نهي لكونه وسيلة لمنهي عنه، فإن له حكم ما كان وسيلة له من مأمور، أو منهي، ولا يخرجه ذلك عن كونه مباحًا في الأصل. والمباح ما دام على وصف الإباحة، فإنه لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب. ويسمى: حلالًا وجائزًا.
الأحكام الوضعية: ما وضعه الشارع من أمارات، لثبوت أو انتفاء، أو نفوذ، أو إلغاء. ومنها: الصحة والفساد. 1 - فالصحيح لغة: السليم من المرض. واصطلاحًا: ما ترتبت آثار فعله عليه عبادةً كان أم عقدًا. فالصحيح من العبادات: ما برئت به الذمة، وسقط به الطلب. والصحيح من العقود: ما ترتبت آثاره على وجوده؛ كترتب الملك على عقد البيع مثلًا. ولا يكون الشيء صحيحًا إلا بتمام شروطه وانتفاء موانعه. مثال ذلك في العبادات: أن يأتي بالصلاة في وقتها تامة شروطها وأركانها وواجباتها. ومثال ذلك في العقود: أن يعقد بيعًا تامة شروطه المعروفة مع انتفاء موانعه. فإن فُقِد شرطٌ من الشروط، أو وُجِد مانع من الموانع امتنعت الصحة. مثال فَقْد الشرط في العبادة: أن يصلي بلا طهارة. ومثال فقد الشرط في العقد: أن يبيع ما لا يملك. ومثال وجود المانع في العبادة: أن يتطوع بنفل مطلق في وقت النهي. ومثال وجود المانع في العقد: أن يبيع من تلزمه الجمعة شيئًا، بعد ندائها الثاني على وجه لا يباح. 2 - والفاسد لغة: الذاهب ضياعًا وخسرًا واصطلاحًا: ما لا تترتب آثار فعله عليه عبادةً كان أم عقدًا. فالفاسد من العبادات: ما لا تبرأ به الذمة، ولا يسقط به الطلب؛ كالصلاة قبل وقتها. والفاسد من العقود: ما لا تترتب آثاره عليه؛ كبيع المجهول. وكل فاسد من العبادات والعقود والشروط فإنه محرّم؛ لأن ذلك مِنْ تعدِّي حدود الله، واتخاذِ آياته هزؤًا، ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنكر على من اشترطوا شروطًا ليست في كتاب الله. والفاسد والباطل بمعنى واحد إلا في موضعين: الأول: في الإحرام؛ فرّقوا بينهما بأن الفاسد ما وطئ فيه المُحرمِ قبل التحلل الأول، والباطل ما ارتد فيه عن الإسلام. الثاني: في النكاح؛ فرقوا بينهما بأن الفاسد ما اختلف العلماء في فساده كالنكاح بلا ولي، والباطل ما أجمعوا على بطلانه كنكاح المعتدة.
*** العلم: إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا؛ كإدراك أن الكل أكبر من الجزء، وأن النية شرط في العبادة. فخرج بقولنا: (إدراك الشيء)؛ عدم الإدراك بالكلية ويسمّى (الجهل البسيط) ، مثل أن يُسأل: متى كانت غزوة بدر؟ فيقول: لا أدري. وخرج بقولنا: (على ما هو عليه)؛ إدراكه على وجه يخالف ما هو عليه، ويسمّى (الجهل المركب) ، مثل أن يُسأل: متى كانت غزوة بدر؟ فيقول: في السنة الثالثة من الهجرة. وخرج بقولنا: (إدراكًا جازمًا)؛ إدراك الشيء إدراكًا غير جازم، بحيث يحتمل عنده أن يكون على غير الوجه الذي أدركه، فلا يسمى ذلك علمًا. ثم إن ترجح عنده أحد الاحتمالين فالراجح ظن والمرجوح وَهم، وإن تساوى الأمران فهو شك. وبهذا تبيّن أن تعلق الإدراك بالأشياء كالآتي: 1 - علم؛ وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا. 2 - جهل بسيط؛ وهو عدم الإدراك بالكلية. 3 - جهل مركب؛ وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه. 4 - ظن، وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح. 5 - وهم، وهو إدراك الشيء مع احتمال ضدٍّ راجح. 6 - شك، وهو إدراك الشيء مع احتمال ضدٍّ مساو.
ينقسم العلم إلى قسمين: ضروري ونظري 1 - فالضروري: ما يكون إدراك المعلوم فيه ضروريًّا، بحيث يضطر إليه من غير نظر ولا استدلال؛ كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء، وأن النار حارة، وأن محمدًا رسول الله. 2 - والنظري: ما يحتاج إلى نظر واستدلال؛ كالعلم بوجوب النية في الصلاة. *** الكلام لغة: اللفظ الموضوع لمعنى. واصطلاحًا: اللفظ المفيد مثل: الله ربنا ومحمد نبينا. وأقل ما يتألف منه الكلام اسمان، أو فعل واسم. مثال الأول: محمد رسول الله، ومثال الثاني: استقام محمد. وواحد الكلام كلمة وهي: اللفظ الموضوع لمعنى مفرد وهي إما اسم، أو فعل، أو حرف. أ - فالاسم: ما دل على معنى في نفسه من غير إشعار بزمن. وهو ثلاثة أنواع: الأول: ما يفيد العموم كالأسماء الموصولة. الثاني: ما يفيد الإطلاق كالنكرة في سياق الإثبات. الثالث: ما يفيد الخصوص كالأعلام. ب - والفعل: ما دل على معنى في نفسه، وأشعر بهيئته بأحد الأزمنة الثلاثة. وهو إما ماضٍ كـ (فَهِمَ)، أو مضارع كــ (يَفْهَمُ)، أو أمر كَــ (اِفْهَمْ). والفعل بأقسامه يفيد الإطلاق فلا عموم له. ج- والحرف: ما دل على معنى في غيره، ومنه: 1 - الواو: وتأتي عاطفة فتفيد اشتراك المتعاطفين في الحكم، ولا تقتضي الترتيب، ولا تنافيه إلا بدليل. 2 - الفاء: وتأتي عاطفة فتفيد اشتراك المتعاطفين في الحكم مع الترتيب والتعقيب، وتأتي سببية فتفيد التعليل. 3 - اللام الجارّة. ولها معانٍ منها: التعليل والتمليك والإباحة. 4 - على الجارّة. ولها معانٍ منها: الوجوب.
ينقسم الكلام باعتبار إمكان وصفه بالصدق وعدمه إلى قسمين: خبر وإنشاء. 1 - فالخبر: ما يمكن أن يوصف بالصدق أو الكذب لذاته. فخرج بقولنا: (ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب)؛ الإنشاء؛ لأنه لا يمكن فيه ذلك، فإن مدلوله ليس مخبرًا عنه حتى يمكن أن يقال: إنه صدق أو كذب. وخرج بقولنا: (لذاته)؛ الخبر الذي لا يحتمل الصدق، أو لا يحتمل الكذب باعتبار المخبر به، وذلك أن الخبر من حيث المخبر به ثلاثة أقسام: الأول - ما لا يمكن وصفه بالكذب؛ كخبر الله ورسوله الثابت عنه. الثاني - ما لا يمكن وصفه بالصدق؛ كالخبر عن المستحيل شرعًا أو عقلًا، فالأول: كخبر مدعي الرسالة بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم، والثاني: كالخبر عن اجتماع النقيضين كالحركة والسكون في عين واحدة في زمن واحد. الثالث: ما يمكن أن يوصف بالصدق والكذب إما على السواء، أو مع رجحان أحدهما، كإخبار شخص عن قدوم غائب ونحوه. 2 - والإنشاء: ما لا يمكن أن يوصف بالصدق والكذب، ومنه الأمر والنهي. كقوله تعالى: وقد يأتي الكلام بصورة الخبر والمراد به الإنشاء وبالعكس لفائدة. مثال الأول: قوله تعالى: ومثال العكس: قوله تعالى:
وينقسم الكلام من حيث الاستعمال إلى حقيقةٍ ومجازٍ: 1 - فالحقيقة هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له ، مثل: أسد للحيوان المفترس. فخرج بقولنا: (المستعمل)؛ المهمل، فلا يسمى حقيقة ولا مجازًا. وخرج بقولنا: (فيما وضع له)؛ المجاز. وتنقسم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام: لغوية وشرعية وعرفية. فاللغوية هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في اللغة. فخرج بقولنا: (في اللغة)؛ الحقيقة الشرعية والعرفية. مثال ذلك الصلاة، فإن حقيقتها اللغوية الدعاء، فتحمل عليه في كلام أهل اللغة. والحقيقة الشرعية هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في الشرع . فخرج بقولنا: (في الشرع)؛ الحقيقة اللغوية والعرفية. مثال ذلك: الصلاة، فإن حقيقتها الشرعية الأقوال والأفعال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، فتحمل في كلام أهل الشرع على ذلك. والحقيقة العرفية هي: اللفظ المستعمل فيما وضع له في العرف. فخرج بقولنا: (في العرف)؛ الحقيقة اللغوية والشرعية. مثال ذلك: الدابة، فإن حقيقتها العرفية ذات الأربع من الحيوان، فتحمل عليه في كلام أهل العرف. وفائدة معرفة تقسيم الحقيقة إلى ثلاثة أقسام: أن نحمل كل لفظ على معناه الحقيقي في موضع استعماله، فيحمل في استعمال أهل اللغة على الحقيقة اللغوية، وفي استعمال الشرع على الحقيقة الشرعية، وفي استعمال أهل العرف على الحقيقة العرفية. 2 - والمجاز هو: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له، مثل: أسد للرجل الشجاع. فخرج بقولنا: (المستعمل)؛ المهمل، فلا يسمى حقيقة ولا مجازًا. وخرج بقولنا: (في غير ما وضع له)؛ الحقيقة. ولا يجوز حمل اللفظ على مجازه إلا بدليل صحيح يمنع من إرادة الحقيقة، وهو ما يسمى في علم البيان بالقرينة. ويشترط لصحة استعمال اللفظ في مجازه: وجود ارتباط بين المعنى الحقيقي والمجازي، ليصح التعبير به عنه، وهو ما يسمى في علم البيان بالعلاقة، والعلاقة إما أن تكون المشابهة أو غيرها. فإن كانت المشابهة سمي التجوز (استعارة)؛ كالتجوز بلفظ أسد عن الرجل الشجاع. وإن كانت غير المشابهة سمي التجوز (مجازًا مرسلًا) إن كان التجوز في الكلمات، و (مجازًا عقليًّا) إن كان التجوز في الإسناد. مثال ذلك في المجاز المرسل: أن تقول: رعينا المطر، فكلمة (المطر) مجاز عن العشب، فالتجوز بالكلمة. ومثال ذلك في المجاز العقلي: أن تقول: أنبت المطر العشب فالكلمات كلها يراد بها حقيقة معناها، لكن إسناد الإنبات إلى المطر مجاز؛ لأن المنبت حقيقة هو الله تعالى فالتجوز في الإسناد. ومن المجاز المرسل: التجوز بالزيادة، والتجوز بالحذف. مثلوا للمجاز بالزيادة بقوله تعالى: ومثال المجاز بالحذف: قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي: واسأل أهل القرية؛ فحذفت (أهل) مجازًا، وللمجاز أنواع كثيرة مذكورة في علم البيان. وإنما ذكر طرف من الحقيقة والمجاز في أصول الفقه؛ لأن دلالة الألفاظ إما حقيقة وإما مجاز، فاحتيج إلى معرفة كل منهما وحكمه. والله أعلم. *** الأمر: قول يتضمن طلب الفعل على وجه الاستعلاء، مثل: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. فخرج بقولنا: (قول)؛ الإشارة فلا تسمى أمرًا، وإن أفادت معناه. وخرج بقولنا: (طلب الفعل)؛ النهي لأنه طلب ترك، والمراد بالفعل الإيجاد، فيشمل القول المأمور به. وخرج بقولنا: (على وجه الاستعلاء)؛ الالتماس، والدعاء وغيرهما مما يستفاد من صيغة الأمر بالقرائن. صيغ الأمر أربع: 1 - فعل الأمر، مثل: 2 - اسم فعل الأمر، مثل: حيّ على الصلاة. 3 - المصدر النائب عن فعل الأمر، مثل: 4 - المضارع المقرون بلام الأمر، مثل: وقد يستفاد طلب الفعل من غير صيغة الأمر، مثل أن يوصف بأنه فرض، أو واجب، أو مندوب، أو طاعة، أو يمدح فاعله، أو يذم تاركه، أو يرتب على فعله ثواب، أو على تركه عقاب. صيغة الأمر عند الإطلاق تقتضي: وجوب المأمور به، والمبادرة بفعله فورًا. فمن الأدلة على أنها تقتضي الوجوب قوله تعالى: ومن الأدلة على أنه للفور قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} [البقرة: 148، والمائدة: 48] والمأمورات الشرعية خير، والأمر بالاستباق إليها دليل على وجوب المبادرة. ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كره تأخير الناس ما أمرهم به من النحر والحلق يوم الحديبية، حتى دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس . ولأن المبادرة بالفعل أحوط وأبرأ، والتأخير له آفات، ويقتضي تراكم الواجبات حتى يعجز عنها. وقد يخرج الأمر عن الوجوب والفورية لدليل يقتضي ذلك، فيخرج عن الوجوب إلى معان منها: 1 - الندب؛ كقوله تعالى: 2 - الإباحة؛ وأكثر ما يقع ذلك إذا ورد بعد الحظر، أو جوابًا لما يتوهم أنه محظور. مثاله بعد الحظر: قوله تعالى: ومثاله جوابًا لما يتوهم أنه محظور؛ قوله صلّى الله عليه وسلّم: (افعل ولا حرج) ، في جواب من سألوه في حجة الوداع عن تقديم أفعال الحج التي تفعل يوم العيد بعضها على بعض. 3 - التهديد كقوله تعالى: ويخرج الأمر عن الفورية إلى التراخي. مثاله: قضاء رمضان فإنه مأمور به لكن دلَّ الدليل على أنه للتراخي، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، وذلك لمكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم . ولو كان التأخير محرمًا ما أقِرّت عليه عائشة رضي الله عنها. ما لا يتم المأمور إلا به: إذا توقف فعل المأمور به على شيء كان ذلك الشيء مأمورًا به، فإن كان المأمور به واجبًا كان ذلك الشيء واجبًا، وإن كان المأمور به مندوبًا كان ذلك الشيء مندوبًا. مثال الواجب: ستر العورة فإذا توقف على شراء ثوب كان ذلك الشراء واجبًا. ومثال المندوب: التطيب للجمعة، فإذا توقف على شراء طيب كان ذلك الشراء مندوبًا. وهذه القاعدة في ضمن قاعدة أعم منها وهي: الوسائل لها أحكام المقاصد، فوسائل المأمورات مأمور بها، ووسائل المنهيات منهي عنها. ***. النهي: قول يتضمن طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة هي المضارع المقرون بلا الناهية، مثل قوله تعالى: (فخرج بقولنا): (قول)؛ الإشارة، فلا تسمى نهيًا وإن أفادت معناه. وخرج بقولنا: (طلب الكف)؛ الأمر، لأنه طلب فعل. وخرج بقولنا: (على وجه الاستعلاء)؛ الالتماس والدعاء وغيرهما مما يستفاد من النهي بالقرائن. وخرج بقولنا: ( بصيغة مخصوصة هي المضارع .. إلخ)؛ ما دل على طلب الكف بصيغة الأمر مثل: دع، اترك، كف، ونحوها؛ فإن هذه وإن تضمنت طلب الكف لكنها بصيغة الأمر فتكون أمرًا لا نهيًا. وقد يستفاد طلب الكف بغير صيغة النهي، مثل: أن يوصف الفعل بالتحريم أو الحظر أو القبح، أو يذم فاعله، أو يرتب على فعله عقاب، أو نحو ذلك. . صيغة النهي عند الإطلاق تقتضي تحريم المنهي عنه وفساده. فمن الأدلة على أنها تقتضي التحريم قوله تعالى: ومن الأدلة على أنه يقتضي الفساد قوله صلّى الله عليه وسلّم: هذا وقاعدة المذهب في المنهي عنه هل يكون باطلًا أو صحيحًا مع التحريم؟ كما يلي: 1 - أن يكون النهي عائدًا إلى ذات المنهي عنه، أو شرطه فيكون باطلًا. 2 - أن يكون النهي عائدًا إلى أمر خارج لا يتعلق بذات المنهي عنه ولا شرطه، فلا يكون باطلًا. مثال العائد إلى ذات المنهي عنه في العبادة: النهي عن صوم يوم العيدين. ومثال العائد إلى ذاته في المعاملة: النهي عن البيع بعد نداء الجمعة الثاني ممن تلزمه الجمعة. ومثال العائد إلى شرطه في العبادة: النهي عن لبس الرجل ثوب الحرير، فستر العورة شرط لصحة الصلاة، فإذا سترها بثوب منهي عنه، لم تصح الصلاة لعود النهي إلى شرطها. ومثال العائد إلى شرطه في المعاملة: النهي عن بيع الحمل، فالعلم بالمبيع شرط لصحة البيع، فإذا باع الحمل لم يصح البيع لعود النهي إلى شرطه. ومثال النهي العائد إلى أمر خارج في العبادة: النهي عن لبس الرجل عمامة الحرير، فلو صلى وعليه عمامة حرير، لم تبطل صلاته؛ لأن النهي لا يعود إلى ذات الصلاة ولا شرطها. ومثال العائد إلى أمر خارج في المعاملة: النهي عن الغش، فلو باع شيئًا مع الغش لم يبطل البيع؛ لأن النهي لا يعود إلى ذات البيع ولا شرطه. وقد يخرج النهي عن التحريم إلى معانٍ أخرى لدليل يقتضي ذلك، فمنها: 1 - الكراهة: ومثلوا لذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم: 2 - الإرشاد: مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ: من يدخل في الخطاب بالأمر والنهي: الذي يدخل في الخطاب بالأمر والنهي (هو) المكلف، وهو البالغ العاقل. فخرج بقولنا: (البالغ)؛ الصغير، فلا يكلف بالأمر والنهي تكليفًا مساويًا لتكليف البالغ، ولكنه يؤمر بالعبادات بعد التمييز تمرينًا له على الطاعة، ويمنع من المعاصي؛ ليعتاد الكف عنها. وخرج بقولنا: (العاقل)؛ المجنون فلا يكلف بالأمر والنهي، ولكنه يمنع مما يكون فيه تعد على غيره أو إفساد، ولو فعل المأمور به لم يصح منه الفعل لعدم قصد الامتثال منه. ولا يرد على هذا إيجاب الزكاة والحقوق المالية في مال الصغير والمجنون، لأن إيجاب هذه مربوط بأسباب معينة متى وجدت ثبت الحكم فهي منظور فيها إلى السبب لا إلى الفاعل!. والتكليف بالأمر والنهي شامل للمسلمين والكفار لكن الكافر لا يصح منه فعل المأمور به حال كفره؛ لقوله تعالى: للتكليف موانع منها: الجهل والنسيان والإكراه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: فالجهل: عدم العلم، فمتى فعل المكلف محرمًا جاهلًا بتحريمه فلا شيء عليه، كمن تكلم في الصلاة جاهلًا بتحريم الكلام، ومتى ترك واجبًا جاهلًا بوجوبه لم يلزمه قضاؤه إذا كان قد فات وقته، بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر المسيء في صلاته - وكان لا يطمئن فيها - لم يأمره بقضاء ما فات من الصلوات، وإنما أمره بفعل الصلاة الحاضرة على الوجه المشروع. والنسيان: ذهول القلب عن شيء معلوم، فمتى فعل محرمًا ناسيًا فلا شيء عليه؛ كمن أكل في الصيام ناسيًا. ومتى ترك واجبًا ناسيًا فلا شيء عليه حال نسيانه؛ ولكن عليه فعله إذا ذكره؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: والإكراه: إلزام الشخص بما لا يريد، فمن أكره على شيء محرم فلا شيء عليه؛ كمن أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ومن أكره على ترك واجب فلا شيء عليه حال الإكراه، وعليه قضاؤه إذا زال؛ كمن أكره على ترك الصلاة حتى خرج وقتها، فإنه يلزمه قضاؤها إذا زال الإكراه. وتلك الموانع إنما هي في حق الله؛ لأنه مبني على العفو والرحمة، أما في حقوق المخلوقين فلا تمنع من ضمان ما يجب ضمانه، إذا لم يرض صاحب الحق بسقوطه، والله أعلم. ***.
العام لغة: الشامل. واصطلاحًا: اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصر، مثل: فخرج بقولنا: (المستغرق لجميع أفراده)؛ ما لا يتناول إلا واحـــدًا كــالـعَلَم والنكرة في سياق الإثبات؛ كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] لأنها لا تتناول جميع الأفراد على وجه الشمول، وإنما تتناول واحدًا غير معيَّن. وخرج بقولنا: (بلا حصر)؛ ما يتناول جميع أفراده مع الحصر كأسماء العدد: مئة وألف ونحوهما. صيغ العموم سبع: 1 - ما دل على العموم بمادته مثل: كل، وجميع، وكافة، وقاطبة، وعامة؛ كقوله تعالى: 2 - أسماء الشرط؛ كقوله تعالى: 3 - أسماء الاستفهام؛ كقوله تعالى: 4 - الأسماء الموصولة؛ كقوله تعالى: 5 – النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام الإنكاري؛ كقوله تعالى: 6 - المعرّف بالإضافة مفردًا كان أم مجموعًا؛ كقوله تعالى: 7 - المعرف بأل الاستغراقية مفردًا كان أم مجموعًا؛ كقوله تعالى: وأما المعرف بأل العهدية، فإنه بحسب المعهود فإن كان عامًّا فالمعرَّف عام، وإن كان خاصًّا فالمعرَّف خاص، مثال العام قوله تعالى: ومثال الخاص قوله تعالى: وأما المعرف (بأل) التي لبيان الجنس؛ فلا يعم الأفراد، فإذا قلت: الرجل خير من المرأة، أو الرجال خير من النساء، فليس المراد أن كل فرد من الرجال خير من كل فرد من النساء، وإنما المراد أن هذا الجنس خير من هذا الجنس، وإن كان قد يوجد من أفراد النساء من هو خير من بعض الرجال. يجب العمل بعموم اللفظ العام حتى يثبت تخصيصه؛ لأن العمل بنصوص الكتاب والسنة واجب على ما تقتضيه دلالتها، حتى يقوم دليل على خلاف ذلك. وإذا ورد العام على سبب خاص وجب العمل بعمومه؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إلا أن يدل دليل على تخصيص العام بما يشبه حال السبب الذي ورد من أجله فيختص بما يشبهها. مثال ما لا دليل على تخصيصه: آيات الظهار؛ فإن سبب نزولها ظهار أوس بن الصامت، والحكم عام فيه وفي غيره. ومثال ما دل الدليل على تخصيصه قوله صلّى الله عليه وسلّم:
الخاص لغة: ضد العام . واصطلاحًا: اللفظ الدال على محصور بشخص أو عدد، كأسماء الأعلام والإشارة والعدد. فخرج بقولنا: (على محصور) العام. والتخصيص لغة: ضد التعميم. واصطلاحًا: إخراج بعض أفراد العام. والمخصِّص - بكسر الصاد -: فاعل التخصيص وهو الشارع، ويطلق على الدليل الذي حصل به التخصيص. ودليل التخصيص نوعان: متصل ومنفصل. فالمتصل: ما لا يستقل بنفسه. والمنفصل: ما يستقل بنفسه. فمن المخصص المتصل: أولًا: الاستثناء وهو لغة: من الثني، وهو رد بعض الشيء إلى بعضه؛ كثني الحبل. واصطلاحًا: إخراج بعض أفراد العام بإلا أو إحدى أخواتها، كقوله تعالى: فخرج بقولنا: (بإلا أو إحدى أخواتها)؛ التخصيص بالشرط وغيره. يشترط لصحة الاستثناء شروط منها: 1 - اتصاله بالمستثنى منه حقيقة أو حكمًا. فالمتصل حقيقة: المباشر للمستثنى منه بحيث لا يفصل بينهما فاصل. والمتصل حكمًا: ما فصل بينه وبين المستثنى منه فاصل لا يمكن دفعه كالسعال والعطاس. فإن فصل بينهما فاصل يمكن دفعه، يمكن دفعه أو سكوت لم يصح الاستثناء مثل أن يقول: عبيدي أحرار، ثم يسكت، أو يتكلم بكلام آخر ثم يقول: إلا سعيدًا؛ فلا يصح الاستثناء ويعتق الجميع. وقيل: يصح الاستثناء مع السكوت، أو الفاصل إذا كان الكلام واحدًا لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال يوم فتح مكة: 2 - أن لا يكون المستثنى أكثر من نصف المستثنى منه، فلو قال: له عليّ عشرة دراهم إلا ستة لم يصح الاستثناء ولزمته العشرة كلها. وقيل: لا يشترط ذلك، فيصح الاستثناء، وإن كان المستثنى أكثر من النصف فلا يلزمه في المثال المذكور إلا أربعة. أما إن استثنى الكل، فلا يصح على القولين، فلو قال: له علي عشرة إلا عشرة لزمته العشرة كلها. وهذا الشرط فيما إذا كان الاستثناء من عدد، أما إن كان من صفة فيصح، وإن خرج الكل أو الأكثر، مثاله: قوله تعالى لإبليس: ثانيًا: من المخصص المتصل: الشرط، وهو لغة: العلامة . والمراد به هنا: تعليق شيء بشيء وجودًا، أو عدمًا بإن الشرطية أو إحدى أخواتها. والشرط مخصص سواء تقدم أم تأخر. مثال المتقدم قوله تعالى في المشركين: ومثال المتأخر قوله تعالى: ثالثًا: الصفة وهي: ما أشعر بمعنى يختص به بعض أفراد العام من نعت أو بدل أو حال. مثال النعت: قوله تعالى: ومثال البدل: قوله تعالى: ومثال الحال: قوله تعالى: المخصص المنفصل: ما يستقل بنفسه وهو ثلاثة أشياء: الحس والعقل والشرع. مثال التخصيص بالحس: قوله تعالى عن ريح عاد: ومثال التخصيص بالعقل: قوله تعالى: ومن العلماء من يرى أن ما خص بالحس والعقل ليس من العام المخصوص، وإنما هو من العام الذي أريد به الخصوص، إذ المخصوص لم يكن مرادًا عند المتكلم، ولا المخاطب من أول الأمر، وهذه حقيقة العام الذي أريد به الخصوص. وأما التخصيص بالشرع، فإن الكتاب والسنة يخصص كل منهما بمثلهما، وبالإجماع والقياس. مثال تخصيص الكتاب بالكتاب: قوله تعالى: خص بقوله تعالى: ومثال تخصيص الكتاب بالسنة: آيات المواريث؛ كقوله تعالى: ومثال تخصيص الكتاب بالإجماع: قوله تعالى: ومثال تخصيص الكتاب بالقياس: قوله تعالى: خص بقياس العبد الزاني على الأمة في تنصيف العذاب؛ والاقتصار على خمسين جلدة، على المشهور. ومثال تخصيص السنة بالكتاب: قوله صلّى الله عليه وسلّم: ومثال تخصيص السنة بالسنة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: ولم أجد مثالًا لتخصيص السنة بالإجماع. ومثال تخصيص السنة بالقياس: قوله صلّى الله عليه وسلّم:
*** المطلق لغة: ضد المقيد. واصطلاحًا: ما دل على الحقيقة بلا قيد؛ كقوله تعالى: فخرج بقولنا: (ما دل على الحقيقة)؛ العام لأنه يدل على العموم لا على مطلق الحقيقة فقط. وخرج بقولنا: (بلا قيد)؛ المقيد. المقيد لغة: ما جعل فيه قيد من بعير ونحوه. واصطلاحًا: ما دل على الحقيقة بقيد؛ كقوله تعالى: فخرج بقولنا: (قيد)؛ المطلق. يجب العمل بالمطلق على إطلاقه إلا بدليل يدل على تقييده؛ لأن العمل بنصوص الكتاب والسنة واجب على ما تقتضيه دلالتها حتى يقوم دليل على خلاف ذلك. وإذا ورد نص مطلق، ونص مقيد وجب تقييد المطلق به إن كان الحكم واحدًا، وإلا عمل بكل واحد على ما ورد عليه من إطلاق أو تقييد. مثال ما كان الحكم فيهما واحدًا: قوله تعالى في كفارة الظهار: ومثال ما ليس الحكم فيهما واحدًا: قوله تعالى:
المجمل لغة: المبهم والمجموع . واصطلاحًا: ما يتوقف فهم المراد منه على غيره، إما في تعيينه أو بيان صفته أو مقداره. مثال ما يحتاج إلى غيره في تعيينه: قوله تعالى: ومثال ما يحتاج إلى غيره في بيان صفته: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاة} [البقرة: من الآية43]، فإن كيفية إقامة الصلاة مجهولة تحتاج إلى بيان. ومثال ما يحتاج إلى غيره في بيان مقداره: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاة} [البقرة: من الآية43]، فإن مقدار الزكاة الواجبة مجهول يحتاج إلى بيان. المبيَّن لغة: المظهر والموضح. واصطلاحًا: ما يفهم المراد منه، إما بأصل الوضع أو بعد التبيين. مثال ما يفهم المراد منه بأصل الوضع: لفظ سماء، أرض، جبل، عدل، ظلم، صدق، فهذه الكلمات ونحوها مفهومة بأصل الوضع، ولا تحتاج إلى غيرها في بيان معناها. ومثال ما يفهم المراد منه بعد التبيين قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: من الآية43]، فإن الإقامة والإيتاء كل منهما مجمل، ولكن الشارع بيَّنهما، فصار لفظهما بيِّنًا بعد التبيين. يجب على المكلف عقد العزم على العمل بالمجمل متى حصل بيانه. والنبي صلّى الله عليه وسلّم قد بيَّن لأمته جميع شريعته أصولها وفروعها، حتى ترك الأمة على شريعة بيضاء نقية ليلها كنهارها، ولم يترك البيان عند الحاجة إليه أبدًا. وبيانه صلّى الله عليه وسلّم إما بالقول، أو بالفعل، أو بالقول والفعل جميعًا. مثال بيانه بالقول: إخباره عن أنصبة الزكاة ومقاديرها كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: ومثال بيانه بالفعل: قيامه بأفعال المناسك أمام الأمة بيانًا لمجمل قوله تعالى: وكذلك صلاته الكسوف على صفتها، هي في الواقع بيان لمجمل قوله صلّى الله عليه وسلّم: ومثال بيانه بالقول والفعل: بيانه كيفية الصلاة، فإنه كان بالقول كما في حديث المسيء في صلاته حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: وكان بالفعل أيضًا، كما في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قام على المنبر فكبر، وكبر الناس وراءه وهو على المنبر. الحديث، وفيه: ثم أقبل على الناس وقال: الظاهر لغة: الواضح والبين. واصطلاحًا: ما دل بنفسه على معنى راجح مع احتمال غيره. مثاله قوله صلّى الله عليه وسلّم: فخرج بقولنا: (ما دل بنفسه على معنى)؛ المجمل لأنه لا يدل على المعنى بنفسه. وخرج بقولنا: (راجح)؛ المؤول لأنه يدل على معنى مرجوح لولا القرينة. وخرج بقولنا: (مع احتمال غيره)؛ النص الصريح؛ لأنه لا يحتمل إلا معنًى واحدًا. العمل بالظاهر: العمل بالظاهر واجب إلا بدليل يصرفه عن ظاهره؛ لأن هذه طريقة السلف، ولأنه أحوط وأبرأ للذمة، وأقوى في التعبد والانقياد. تعريف المؤول: المؤول لغة: من الأَوَل وهو الرجوع. واصطلاحًا: ما حمل لفظه على المعنى المرجوح. فخرج بقولنا: (على المعنى المرجوح)؛ النص والظاهر. أما النص، فلأنه لا يحتمل إلا معنى واحدًا، وأما الظاهر فلأنه محمول على المعنى الراجح. والتأويل قسمان: صحيح مقبول، وفاسد مردود. 1 - فالصحيح: ما دل عليه دليل صحيح؛ كتأويل قوله تعالى:(وسئل القرية)إلى معنى: واسأل أهل القرية، لأن القرية نفسها لا يمكن توجيه السؤال إليها. 2 - والفاسد: ما ليس عليه دليل صحيح؛ كتأويل المعطلة قوله تعالى:
النسخ لغة: الإزالة والنقل. واصطلاحًا: رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب والسنة. فالمراد بقولنا: (رفع حكم)؛ أي: تغييره من إيجاب إلى إباحة، أو من إباحة إلى تحريم مثلًا. فخرج بذلك تخلف الحكم لفوات شرط أو وجود مانع، مثل أن يرتفع وجوب الزكاة لنقص النصاب، أو وجوب الصلاة لوجود الحيض؛ فلا يسمى ذلك نسخًا. والمراد بقولنا: (أو لفظه)، لفظ الدليل الشرعي؛ لأن النسخ إما أن يكون للحكم دون اللفظ أو بالعكس أو لهما جميعًا؛ كما سيأتي. وخرج بقولنا: (بدليل من الكتاب والسنة)؛ ما عداهما من الأدلة كالإجماع والقياس فلا ينسخ بهما. والنسخ جائز عقلًا وواقع شرعًا. أما جوازه عقلًا: فلأن الله بيده الأمر، وله الحكم؛ لأنه الرب المالك، فله أن يشرع لعباده ما تقتضيه حكمته ورحمته، وهل يمنع العقل أن يأمر المالك مملوكه بما أراد؟ ثم إن مقتضى حكمة الله ورحمته بعباده أن يشرع لهم ما يعلم تعالى أن فيه قيام مصالح دينهم ودنياهم، والمصالح تختلف بحسب الأحوال والأزمان، فقد يكون الحكم في وقت أو حال أصلح للعباد، ويكون غيره في وقت أو حال أخرى أصلح، والله عليم حكيم. وأما وقوعه شرعًا فلأدلة منها: 1 - قوله تعالى: 2 - قوله تعالى: 3 - قوله صلّى الله عليه وسلّم: ما يمتنع نسخه: يمتنع النسخ فيما يأتي: 1 - الأخبار، لأن النسخ محله الحكم، ولأن نسخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كذبًا، والكذب مستحيل في أخبار الله ورسوله، اللهم إلا أن يكون الحكم أتى بصورة الخبر، فلا يمتنع نسخه كقوله تعالى: 2 - الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان: كالتوحيد، وأصول الإيمان وأصول العبادات ومكارم الأخلاق من الصدق والعفاف، والكرم والشجاعة، ونحو ذلك؛ فلا يمكن نسخ الأمر بها، وكذلك لا يمكن نسخ النهي عما هو قبيح في كل زمان ومكان كالشرك والكفر ومساويء الأخلاق من الكذب والفجور والبخل والجبن ونحو ذلك، إذ الشرائع كلها لمصالح العباد ودفع المفاسد عنهم.
يشترط للنسخ فيما يمكن نسخه شروط منها: 1 - تعذر الجمع بين الدليلين، فإن أمكن الجمع فلا نسخ لإمكان العمل بكل منهما. 2 - العلم بتأخر الناسخ ويعلم ذلك إما بالنص أو بخبر الصحابي أو بالتاريخ. مثال ما علم تأخره بالنص: قوله صلّى الله عليه وسلّم: ومثال ما علم بخبر الصحابي: قول عائشة رضي الله عنها: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات. ومثال ما علم بالتاريخ: قوله تعالى: 3 - ثبوت الناسخ، واشترط الجمهور أن يكون أقوى من المنسوخ أو مماثلًا له؛ فلا ينسخ المتواتر عندهم بالآحاد، وإن كان ثابتًا، والأرجح أنه لا يشترط أن يكون الناسخ أقوى أو مماثلًا؛ لأن محل النسخ الحكم، ولا يشترط في ثبوته التواتر. ينقسم النسخ باعتبار النص المنسوخ إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما نسخ حكمه وبقي لفظه، وهذا هو الكثير في القرآن. مثاله: آيتا المصابرة، وهما قوله تعالى: وحكمة نسخ الحكم دون اللفظ، بقاء ثواب التلاوة، وتذكير الأمة بحكمة النسخ. الثاني: ما نسخ لفظه وبقي حكمه كآية الرجم، فقد ثبت في "الصحيحين" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وحكمة نسخ اللفظ دون الحكم اختبار الأمة في العمل بما لا يجدون لفظه في القرآن، وتحقيق إيمانهم بما أنزل الله تعالى، عكس حال اليهود الذين حاولوا كتم نص الرجم في التوراة. الثالث: ما نسخ حكمه ولفظه: كنسخ عشر الرضعات السابق في حديث عائشة رضي الله عنها. وينقسم النسخ باعتبار الناسخ إلى أربعة أقسام: الأول: نسخ القرآن بالقرآن؛ ومثاله آيتا المصابرة. الثاني: نسخ القرآن بالسنّة؛ ولم أجد له مثالًا سليمًا. الثالث: نسخ السنة بالقرآن: ومثاله نسخ استقبال بيت المقدس الثابت بالسنة، باستقبال الكعبة الثابت بقوله تعالى: الرابع: نسخ السنة بالسنة، ومثاله قوله صلّى الله عليه وسلّم: للنسخ حِكَمٌ متعددة منها: 1 - مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع لهم في دينهم ودنياهم. 2 - التطور في التشريع حتى يبلغ الكمال. 3 - اختبار المكلفين باستعدادهم لقبول التحول من حكم إلى آخر ورضاهم بذلك. 4 - اختبار المكلفين بقيامهم بوظيفة الشكر إذا كان النسخ إلى أخف، ووظيفة الصبر إذا كان النسخ إلى أثقل. ***
|